فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ المنافقون}
العامل في {إذْ} إمَّا {زيَّن}، وإمَّا {نَكَصَ} وإما {شديدُ العقاب} وإما اذكروا.
قال ابنُ الخطيب: وإنما لم تدخل الواو في قوله: {إذْ يقُولُ} ودخلت في قوله: {وإذْ زَيَّن}؛ لأنَّ قوله: {وإذْ زيَّن} عطف التزين على حالهم وخروجهم بطرًا ورئاء النَّاس.
وأما قوله: {إِذْ يَقُولُ المنافقون} فليس فيه عطف على ما قبله، بل هو ابتداء كلام منقطع عما قبله.
و{غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ} منصوب المحل بالقول. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)}
إن أصحابَ الغفلة وأرباب الغِرَّة إذا هبَّتَ رياحْ صَوْلَتهِم في زمان غفلتهم يلاحظون أهلَ الحقيقة بعينِ الاستحقار، ويَحْكمُون عليهم بضعف الحال، وينسبونهم إلى الضلال، ويعدونهم من جملة الجهَّال، وذلك في زمان الفترة ومدة مُهْلةِ أهل الغيبة.
والذين لهم قوة اليقين ونور البصيرة ساكنون تحت جريان الحكم، يَرَوْن الغائبات عن الحواس بعيون البصيرة من وراء ستر رقيق؛ فلا الطوارقُ تهزمهم، ولا هواجم الوقت تستفزهم، وعن قريب يلوح عَلَمُ اليُسْرِ، وتنجلي سحائبُ العُسْر، ويمحق اللهُ كيد الكائدين. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {واعلموا} يا أهل الجهاد الأكبر {أنما غنمتم} عند رفع الحجب من أنوار المشاهدات وأسرار المكاشفات فلكم أربعة أخماسه تعيشون بها مع الله وتكتمونها عن الأغيار وتنفقون خمسها في الله مخلصًا وللرسول متابعًا {ولذي القربى} يعني الإخوان في الله مواصلًا {واليتامى} يعني أهل الطلب من الذين غاب عنهم مشايخهم قبل بلوغهم إلى حد الكمال {والمساكين} الذين تمسكوا بأيدي الإرادة بأذيال إرشادكم {وابن السبيل} يعني الصادر والوارد من الصدق والإرادة مراعيًا جانب كل طائفة على حسب صدقهم وإرادتهم واستعدادهم.
إن كنتم وصلتم في متابعة الرسول إلى الإيمان بالله عيانًا {وبما أنزلنا على عبدنا} في سفر {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم: 10] {يوم الفرقان} الذي فيه الرحمن علم القرآن {يوم التقى الجمعان} جمع الصفات الإنسانية وجمع الأخلاق الربانية فصار لمحمد صلى الله عليه وسلم مع الله خلوة لا يتبعه فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل {والله على كل شيء قدير} فيقدر على أن يوصلكم في متابعة رسوله إلى هذا المقام وهو الفناء عن الوجود والبقاء بالمعبود {إذ أنتم} أيها الصادقون في الطلب {بالعدوة الدنيا} نازلة {وهم بالعدوة القصوى} أي الأرواح بأقصى عالم الملكوت بارزة {والركب أسفل منكم} يعني الهياكل والقوالب في أسفل سافلي الطبيعة.
{ولو تواعدتم} أيها الأرواح والنفوس والأجساد {لاختلفتم في الميعاد} لما بينكم من التباين والتضاد {ولكن} جمعكم الله بالقدرة والحكمة {ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا} وهو إيصال كل شخص إلى رتبته التي استعد لها {فيهلك من هلك عن بينة} عن حجة ثابتة عليه {ويحيا من حيى عن بينة} فالأشقياء يبقون في سجين الطبيعة ونار القطيعة، وأما السعداء فأرواحهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، قال: {ارجعي إلى ربك راضية} [الفجر: 28] ونفوسهم مع الملائكة المقربين كما قال: {فادخلي في عبادي} [الفجر: 29] وأبدانهم في جنات النعيم كما قال: {وادخلي جنتي} [الفجر: 30] {إن الله لسميع} من دعاه للوصول والوصال بالغدو والآصال {عليم} بمن يستحق الإذلال أو يستأهل الإجلال {إذ يريكهم الله في منامك قليلًا} مع كثرتهم في الصورة ليدل على قلتهم في المعنى {لفشلتم} على عادة طبع الإنسان {ولكن الله سلم} من الخوف البشري {ويقللكم في أعينهم} لأنهم نظروا إليكم بالأبصار الظاهرة فلم يدركوا كثرة معناكم ومددكم بالملائكة.
{وإذا لقيتم فئة} هي النفس وهواها والشيطان وأعوانه والدنيا وزينتها {فاثبتوا}
على ما أنتم عليه من اليقين والصدق والإخلاص والطلب {ولا تكونوا كالذين خرجوا} من ديار أوصافهم وتركوا الدينا وداروا البلاد وزاروا العباد ليتباهوا بذلك على الإخوان والأقران.
{وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} فظنوا أنهم بلغوا مبلغ الرجال وأنه لا يضرهم التصرف في الدنيا وارتكاب بعض المنهيات بل ينفعهم في نفي الرياء والعجب إذ هو طريق أهل الملامة.
{فلما تراءت الفئتان} فئة الأرواح والقلوب وفئة النفوس وصفاتها وأمد الله تعالى فئة الأرواح والقلوب بالأوصاف الملكية والواردات الربانية حتى انقادت النفوس لها {نكص على عقبيه} زهق باطله وصار مخالفًا للنفس كما قال: {إني بريء منكم}، {إني أرى ما لا ترون} لأنه يرى بنظر الروحانية تجلي الأنوار الربانية من القلوب، ولو وقع على الشيطان من ذلك تلألؤ لأحرقه ولهذا قال: {إني أخاف الله} وفيه إشارة إلى أنه غير منقطع الرجاء من رحمة الله إنه أرحم الراحمين. اهـ.

.تفسير الآية رقم (50):

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر ما سرّهم من حال أعدائهم المجاهرين والمساترين في الدنيا مرصعًا ذلك بجواهر الحكم وبدائع الكلم التي بملازمتها تكون السعادة وبالإخلال بها تحل الشقاوة، أتبعه ما يسرهم من حال أعدائهم عند الموت وبعده، فقال مخاطبًا لمن لو كشف الغطاء لم يزدد يقينًا، حاديًا بتخصيصه بالخطاب كل سامع على قوة اليقين ليؤهل لمثل هذا الخطاب حكاية لحالهم في ذاك الوقت {ولو} أي يقولون ذلك والحال أنك {لو ترى} يا أعلى الخلق {إذ يتوفى} أي يستوفي إخراج نفوس {الذين كفروا} أي من هؤلاء القائلين ومن غيرهم ممن قتلتموهم ببدر ومن غيرهم بعد ذلك وقبله {الملائكة} أي جنودها الذي وكلناهم بهم حال كونهم {يضربون}.
ولما كان ضرب الوجه والدبر أدل ما يكون على الذل والخزي، قال: {وجوههم وأدبارهم} أي أعلى أجسامهم وأدناها فغيره أولى {و} حال كونهم يقولون لهم: ذوقوا ما كنتم به تكذبون {ذوقوا عذاب الحريق} أي لرأيتم منظرًا هائلًا وأمرًا فظيعًا.
فسركم ذلك غاية السرور، وما أثر كلامهم في غيظهم، فإنهم يعلمون حينئذ من الذي غره دينه ولو وإن كانت تقلب المضارع ماضيًا فلا يخلو التعبير بالمضارع في حيزها من فائدة، وهي ما ذكر من الإشارة إلى أن هذا لا يخص ميتًا منهم دون ميت، بل لا فرق بين متقدمهم ومتأخرهم، من مات ببدر أو غيرها وليس في الكلام ما يقتضي أن يكون القائلون {غر هؤلاء دينهم} حضروا بدرًا، بل الظاهر أن قائليه كانوا بالمدينة وتعبيرهم ب {هؤلاء} التي هي أداة القرب للتحقير واستسهال أخذهم كما أن أداة البعد تستعمل للتعظيم ببعد الرتبة، وعلى مثل هذا يتنزل قول فرعون بعد أن سار بنو إسرائيل زمانًا أقله ليلة وبعض يوم كما حكاه الله عنهم {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} [الشعراء: 54] على أن البغوي قد نقل في تفسير قوله تعالى: {يرونهم مثليهم رأي العين} [آل عمران: 13] أن جماعة من اليهود حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة.
وإذا تأملت هذا مع قوله تعالى: {كدأب آل فرعون} علمت أن جلَّ المقصود من هذه الآيات إلى قوله: {ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} اليهود، وفي تعبيره ب {لا يفقهون} تبكيت شديد لهم كما قال تعالى في آية الحشر: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} [الحشر: 13]. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال هؤلاء الكفار شرح أحوال موتهم، والعذاب الذي يصل إليهم في ذلك الوقت. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{تتوفى} بتاء التأنيث: شامي. الباقون: بالتذكير {ولا يحسبن} بياء الغيبة: ابن عامر ويزيد وحمزة وحفص والمفضل. الآخرون: بتاء الخطاب.
{أنهم} بالفتح: ابن عامر {السلم} بكسر السين: أبو بكر وحماد {ترهبون} بالتشديد: رويس. الباقون: بالتخفيف من الإرهاب {وإن يكن منكم} بالياء التحتانية: أبو عمرو وسهل ويعقوب وعاصم وحمزة وعلي وخلف. الباقون: بالتاء الفوقانية {وعلم} مبنيًا للمفعول {ضعفاء} بالمد جمعًا: يزيد وقرأ حمزة وعاصم غير المفضل وخلف لنفسه {ضعفًا} بفتح الضاد. الآخرون بالضم.
{فإن لم يكن منكم مائة} بالتحتانية: عاصم وحمزة وعلي وخلف.

.الوقوف:

{كفروا} لا لأن فاعل {يتوفى} الملائكة. وما قيل إن المتوفي هنا الله غير صحيح لاختلال النظم وفساد المعنى لأن الكفار لا يستحقون أن يتوفاهم الله بلا واسطة.
{وأدبارهم} ج لحق الإضمار أي يقولون ذوقوا {الحريق} o {للعبيد} o لا لتعلق الكاف {فرعون} لا للعطف.
{من قبلهم} ط {بذنوبهم} ط {العقاب} o {بأنفسهم} لا لعطف أنّ على أنَّ {عليم} o لا للكاف {من قبلهم} ط {بآيات ربهم} ج لاختلاف الجملتين من الفاء {آل فرعون} ج لأن الواو تصلح للاستئناف والحال {ظالمين} o {لا يؤمنون} o ج لاحتمال الوصف واحتمال النصب والرفع على الذم {لا يتقون} o {يذكرون} o {على سواء} ط {الخائنين} o {سبقوا} ط لمن قرأ {إنهم} بالكسر {لا يعجزون} o {من دونهم} ج لاحتمال الجملة الجملة بعده الوصف والاستئناف {لا تعلمونهم} ج لذلك {يعلمهم} ط {لا تظلمون} o {على الله} ط {العليم} o {حسبك الله} ط {بين قلوبهم} الأول ط {بينهم} ط {حكيم} o {من المؤمنين} o {على القتال} ط {مائتين} ج لابتداء الشرط مع العطف {لا يفقهون} o {ضعفًا} ج {مائتين} ج {بإذن الله} ط {الصابرين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ ابن عامر وحده {إِذْ} بالتاء على تأنيث لفظ الملائكة والجمع، والباقون بالياء على المعنى.
المسألة الثانية:
جواب {عَلَيْهِمْ لَوْ} محذوف.
والتقدير: لرأيت منظرًا هائلًا، وأمرًا فظيعًا، وعذابًا شديدًا.
المسألة الثالثة:
{وَلَوْ تَرَى} ولو عاينت وشاهدت، لأن لو ترد المضارع إلى الماضي كما ترد إن الماضي إلى المضارع.
المسألة الرابعة:
الملائكة رفعها بالفعل، ويضربون حال منهم، ويجوز أن يكون في قوله: {يَتَوَفَّى} ضمير لله تعالى، والملائكة مرفوعة بالابتداء، ويضربون خبر.
المسألة الخامسة:
قال الواحدي: معنى يتوفى الذين كفروا يقبضون أرواحهم على استيفائها وهذا يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد، وأنه هو الروح فقط؛ لأن قوله: {يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ} يدل على أنه استوفى الذات الكافرة، وذلك يدل على أن الذات الكافرة هي التي استوفيت من هذا الجسد، وهذا برهان ظاهر على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد، وقوله: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} قال ابن عباس: كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيف، وإذا ولوا ضربوا أدبارهم، فلا جرم قابلهم الله بمثله في وقت نزع الروح، وأقول فيه معنى آخر ألطف منه، وهو أن روح الكافر إذا خرج من جسده فهو معرض عن عالم الدنيا مقبل على الآخرة، وهو لكفره لا يشاهد في عالم الآخرة إلا الظلمات، وهو لشدة حبه للجسمانيات، ومفارقته لها لا ينال من مباعدته عنها إلا الآلام والحسرات، فسبب مفارقته لعالم الدنيا تحصل له الآلام بعد الآلام والحسرات، وبسبب إقباله على الآخرة مع عدم النور والمعرفة، ينتقل من ظلمات إلى ظلمات، فهاتان الجهتان هما المراد من قوله: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم}.
ثم قال تعالى: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} وفيه إضمار، والتقدير: ونقول ذوقوا عذاب الحريق ونظيره في القرآن كثير قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم القواعد مِنَ البيت وإسماعيل رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] أي ويقولان ربنا، وكذا قوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رءوسهُمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا} [السجدة: 12] أي يقولون ربنا.
قال ابن عباس: قول الملائكة لهم: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} إنما صح لأنه كان مع الملائكة مقامع، وكلما ضربوا بها التهبت النار في الأجزاء والأبعاض، فذاك قوله: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} قال الواحدي: والصحيح أن هذا تقوله الملائكة لهم في الآخرة.
وأقول: أما العذاب الجسماني فحق وصدق.
وأما الروحاني فحق أيضًا لدلالة العقل عليه، وذلك لأنا بينا أن الجاهل إذا فارق الدنيا حصل له الحزن الشديد بسبب مفارقة الدنيا المحبوبة، والخوف الشديد بسبب تراكم الظلمات عليه في عالم الخوف والحزن.
والخوف والحزن كلاهما يوجبان الحرقة الروحانية، والنار الروحانية. اهـ.